بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه،
هي شهادة عن أخوة وصداقة رجلين من المغرب،من أعالي فاس بتيسة،قل مثيلها الآن،وهدفنا التذكير بهذا النوع من الصحبة الطيبة لإحياء المعاملات الكبيرة بين الناس على منوال العلاقات العميقة والصادقة للسابقين.
قال عز من قائل في كتابه العزيز : "مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ غ– وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا "سورة الأحزاب ، الآية:(23)، وعَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْعَرِيِّ , إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَضَى صَلاتَهُ أَقْبلَ إِلَى النَّاسِ بِوَجْهِهِ ، فَقَالَ : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ , اسْمَعُوا وَاعْقِلُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ لِلَّهِ عِبَادًا لَيْسُوا بِأَنْبِيَاءَ , وَلا شُهَدَاءَ , يَغْبِطُهُمُ النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاءُ عَلَى مَجَالِسِهِمْ وَقُرْبِهِمْ مِنَ اللَّهِ " , فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَعْرَابِ مِنْ قَاصِيَةِ النَّاسِ , وَأَلْوَى بِيَدِهِ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ , مِنَ النَّاسِ لَيْسُوا بِأَنْبِيَاءَ وَلا شُهَدَاءَ يَغْبِطُهُمُ النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاءُ عَلَى مَجَالِسِهِمْ , وَقُرْبِهِمْ مِنَ اللَّهِ انْعَتْهُمْ لَنَا ، صِفْهُمْ لَنَا ، فَسُرَّ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسُؤَالِ الأَعْرَابِيِّ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " هُمْ نَاسٌ مِنْ أَفْنَاءِ النَّاسِ , وَنَوَازِعِ الْقَبَائِلِ , لَمْ تَصِلْ بَيْنَهُمْ أَرْحَامٌ مُتَقَارِبَةٌ , تَحَابُّوا فِي اللَّهِ وَتَصَافَوْا فِيهِ , يَضَعُ اللَّهُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ فَيُجْلِسُهُمْ عَلَيْهَا , فَيَجْعَلُ وُجُوهَهُمْ وَثِيَابَهُمْ نُورًا , يَفْزَعُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ , وَلا يَفْزَعُونَ , وَهُمْ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ الَّذِينَ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ , وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ " .
فالمرء إنما يحكم بحسب ما يظهر من حال الشخص ويكل حقيقة الأمر وعاقبته إلى الله، فقد يوافق الظاهر الباطن وقد يخالفه،كما يقول العلماء، ولذلك قال تعالى: فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى {النجم: 32} وقال: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ {النساء: 49} ،وبذلك يصح لنا أن نقول في من أحبهم الله ورسوله وأحبوا الله ورسوله ،وعاشوا لله وبالله: نحسبهم من أوليائه المتقين ولا نزكي على الله أحدا، والله تعالى أعلم .
ومناسبة هذا الكلام كله هو أنه كلما سافرت إلى دوار أولاد العسري بأعالي فاس الذي هو مسقط رأس الأب رحمه الله لصلة الرحم وزيارة الأهل مع مآرب أخرى تخصني إلا وحدثني الأهل وكل معارفه عن أخلاقه وأعماله وإحسانه وبره الكبير بوالديه وبكل الضعفاء،يشهد كل من التقى بأبي محمد وبصديقه أحمد بأخوة وصداقة يعجز اللسان عن وصف شكلها بحيث تتسم بطابع رباني صرف ملؤه المحبة والإيثار والتضحية،محمد بن بوشتى وأحمد بن عبد السلام المرضيين،كما يقول جل من عرفهم،أبلوا البلاء الحسن لإسعاد أسرهم وذويهم وجلب القوت من داخل المغرب وخارجه بما يرضي الله من تجارة فيها كسب دنيوي ودعوة إلى الله في سبيل الله،ففي قلب العاصمة الفرنسية باريس كانا معا يفترشان سلعتهم بالأسواق اليومية لبيع أشرطة القرآن الكريم وزرابي خاصة بالصلاة وتسابيح وكل ملتزمات المسلم والمسلمة بديار المهجر المتعلقة بالتعبد،صديقان يقتسمان الربح والخسارة معا لما يناهز الأربعين سنة...فرحم الله عمي العربي بالبادية حين قال يوم وفاة أبي رحمه الله : " هذا الرجل محمد الحياني بكت عليه الغنم لفقدانه"،فاللهم ارحمهما واحشرهما مع الصالحين وألحقنا بهم مسلمين مؤمنين متقين أجمعين.
الحسن العبد بن محمد الحياني