يحيي السيد
عدد المساهمات : 24 تاريخ التسجيل : 09/09/2013
| موضوع: المستفاد من هجرة النبى (صلى الله عليه وسلم). الأربعاء نوفمبر 13, 2013 12:02 pm | |
|
الحمد لله رب العالمين نصير المتقين ومغيث المستضعفين ورافع الكرب عن المكروبين
ومجيب الدعاء للسائلين سبحانه سبحانه من توكّل عليه كفاه ومن اعتمد عليه نصره وقوَّاه
ومن سأله أعطاه ومن دعاه استجاب دعاه ولبَّاه لأنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير
وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له يعز من اتبع هُداه وعمل بشرعه ولو كان عبداً حبشياً
ويُذل من خالفه وخالف رسُله ولو شريفاً قرشياً وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله
أيَّده بتأييده وحفظه بحفظه ونصره بنُصرته وجعله قدوةً وأسوة لجميع أمته فمن يمشي
على هديه كان مع الله وكان الله معه لقوله عز شأنه
{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} 21:الأحزاب
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد الذي كانت رسالته رحمة وهداية واتِّباعه
والعمل على نصرته من الله عناية وهجرته فتحاً وحياته كلها لله صلَّى الله عليه
وعلى آله وصحبه وكل من مشى على دربه إلي يوم الدين
وعلينا معهم أجمعين آمين آمين يا رب العالمين
ونحن في أيام ذكرى هجرة النبي صلّى الله عليه وسلّم نريد أن نأخذ قبساً من دروس هجرته
التي نحتاج إليها في حياتنا الآن وما أكثر احتياجنا إلي هجرة النبي نأخذ منها العبرة
ونأخذ منها الهُدى والنور حتى ينظر الله إلينا برحمته وينظر الله إلينا بشفقته وحنانته
ويُبدّل حالنا إلي أحسن حال قال الله في كتابه الكريم مبيناً سرّاً من أسرار سياقه
لقصص النبيين والمرسلين في القرآن الكريم {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأولِي الالْبَابِ} 111:يوسف
كان في قصص الأنبياء عبرة ودروساً ينبغي أن يعيها أهل الإيمان لتكون حياتهم امتداداً
لأنبياء الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم ولن نستطيع في هذه العُجالة القصيرة
أن نحصي دروس هجرة النبي صلّى الله عليه وسلّم ولكن حسبنا أن نأخذ درساً واحداً
من هجرته نحن في أمّس الحاجة إليه الآن أجمعين وقد تألبت علينا الأمم الكافرة
في شرقها وغربها وقد تجمّع الكافرون والمشركون على حضرته وأخذوا
يخططون لنا وللمسلمين للقضاء على الإسلام وأهله كما خطط الكافرون للقضاء
على النبي صلّى الله عليه وسلّم ومن معه من المسلمين الأولين
فالواجب علينا الآن أن نأخذ العبرة من النبي صلّى الله عليه وسلّم في هجرته
لا نستمع لمن يقول أن النبي صلّى الله عليه وسلّم خرج من مكة خائفاً مذعوراً
فقد كذبوا والله أو أن النبي دخل الغار ليختبئ فيه ومشي سراً خوفاً من الكافرين
ودخل المدينة بعد ذلك وهو فرحٌ بأنه ظفر وفرّ من الكافرين
ليس الأمر كما قالوا ولا كما حكموا لأن الله قال في كتابه عن هجرة النبي
قبل إرسال الرسالة إلي النبي وقبل بعثة هذا النبي {إِلا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ الله} 40:التوبة
وكلمة نصر بالفعل الماضي يعني نصره الله قبل وجوده في الدنيا ونصره قبل تكليفه
بالرسالة ونصره قبل نزول الوحي على حضرته لأن الله نصره قبل خلق الخلق
عندما اختاره رسولاً ونبياً لخير أمة أخرجت للناس واختاره ليُنزل عليه خير كلام
أنزله الله للناس ونصره من قبل القبل
بل إنه سبحانه وتعالى أخذ الميثاق على النبيين والمرسلين أن يؤمنوا به وأن يتبعوه
وأن ينصروه وقال في ذلك في قرآنه الكريم
{وَإِذْ أَخَذَ الله مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ}
هذه واحدة ثم {وَلَتَنْصُرُنَّهُ}
وهذه هي الثانية ثم قال عزّ شأنه
{قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ}
81:آل عمران
فكان لزاماً على كل نبي أن يبين لأمته أوصاف النبي ورسالة النبي ومكان دعوته
وموطن هجرته ويطلب ممن يحضر زمنه منهم أن يسعى إلي نصرته للعهد والميثاق
الذي أخذه عليه الله ولذلك فإن الأنصار كان لهم السبق في تلبية دعوة النبي
المختار في الهجرة لماذا؟
لأنه سكن معهم في المدينة بضع قبائل من اليهود وما الذي أتى باليهود إلى المدينة؟
كان هؤلاء اليهود يسكنون في بلاد الشام وكان عندهم في التوراة أوصاف النبي
ومكان ميلاده ومبدأ دعوته ومكان هجرته ودولته
فعلموا أنه سيهاجر إلي مدينة ذات نخل وهي يثرب فتركوا بلاد الشام مع كثرة خيرها
وكثرة مائها وأنهارها وجاءوا إلي المدينة ليسكنوا فيها طمعاً في أن يكون
النبي صلّى الله عليه وسلّم الذي سيرسله الله في آخر الزمان منهم ولذا عندما سُئل الأنصار
عن هذا النبي قالوا: عرفنا أن هذا النبي هو نبي آخر الزمان الذي سمعنا اليهود
يذكرونه فأردنا أن نسبقهم إلي إتباعه
فكان هذا من نصرة موسى لنبينا بذكره في التوراة بل أنه ذكره وذكر أصحابه
كما قال الله في كتابه {مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ
رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلا مِنَ الله وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ
مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ} (29:الفتح)
والنبي صلّى الله عليه وسلّم كان يعلم أنه لا بد أن يهاجر من لحظة نزول الوحي عليه
فإنه عندما نزل الوحي لأول مرة في غار حراء وذهب إلي زوجته التقية
الوفية السيدة خديجة وحكي لها ما رآه وما سمعه فَانْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ
بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى ابْنَ عَمِّ خَدِيجَةَ
وَكَانَ امْرَأً تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعِبْرَانِيَّ فَيَكْتُبُ مِنَ الْإِنْجِيلِ بِالْعِبْرَانِيَّةِ
مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكْتُبَ وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ: يَا ابْنَ عَمِّ اسْمَعْ
مِنَ ابْنِ أَخِيكَ فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: يَا ابْنَ أَخِي مَاذَا تَرَى
فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَبَرَ مَا رَأَى فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي نَزَّلَ اللَّهُ
عَلَى مُوسَى صلى الله عليه وسلم يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَوَ مُخْرِجِيَّ هُمْ قَالَ: نَعَمْ لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ
مَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا [1]
فعلم النبي من هذه اللحظة أنه لابد له من هجرة لمكان يُبلغ فيه رسالات الله ويُؤسِّس
فيه مجتمعاً على وفق كتاب الله يشّع منه نور الهداية إلي جميع خلق الله علم ذلك صلوات
ربّي وتسليماته عليه وكان صلّى الله عليه وسلّم وهذا هو موضع القدوة لنا والأسوة لنا والعبرة
لنا واثقٌ كل الثقة في مولاه يعتمد كل الاعتماد على الله لا يخشى
ولا يخاف إلا الله ولا يرهب إلا جانب مولاه ويعلم علم اليقين أن ما قرّره له الله لا دافع له
من خلق الله وما أراده الله لا بد من تحقيقه بين يدي خلق الله يؤمن إيماناً
يقينياً أن الله وحده هو الفعال لما يريد
إذن لماذا خطط النبي بدقة وخرج من بيته واستقر في الغار ثلاثة أيام ثم خرج بعد ذلك
من الطريق الذي لم يسلكه الأنام طريقاً منفرداً في الصحراء وجهّز الدليل وجهّز الرواحل
التي يركب عليها؟ ليُعلم أمته أن هذا الدين القويم هو دين التخطيط لأي أمرٍ من الأمور
فالمؤمن إذا كان قوي الإيمان بالله يعتمد تمام الاعتماد على مولاه لا بد له من إجادة التخطيط
في أي أمرٍ يريد أن يبلغه في هذه الحياة كما فعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم معه نصر الله
ومعه رعاية الله ومعه تثبيت الله ومعه كفالة الله لكن لا بد له من التخطيط الدقيق
هكذا يُعلمنا الدرس سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم
خطّط للخروج من بيته المبارك وعلم أن الأعداء يحيطون به من جميع الجهات ومائة فارسٍ
من صناديد قريش مجهزين بالأسلحة سيدخلون البيت قبل الفجر لينقضوا عليه ويضربوه ضربة واحدة
بسيوفهم كما خططوا فجعل ابن عمه على بن أبي طالب ينام في مكانه ويتغطي بغطائه
ليوهمهم أنه مازال في موضعه فلا يلتفتوا لخروجه ولا يتابعوه بعد خروجه فيتمكن من تحقيق المراد
ثم خرج من بيته وهو يعلم أنهم يجيدون قصاص الأثر فإذا نظروا إلي قدمٍ وُضعت على الرمل
يعلمون منها من هو صاحب هذا القدم ويعلمون منها ملامحه ويعلمون منها قبيلته
ويعلمون منها طوله ويعلمون منها أحواله
فخرج من بيته يمشي على أطراف قدميه حتى وصل إلي الغار سبعة كيلو مترات
يمشيها النبي على أطراف أصابعه حتى لا يظهر أثر قدميه في الرمال ويعلم القوم
أين توجّه وأي مكانٍ سار إليه وخطط أن يبقى في الغار ثلاثة أيام حتى يطمئنوا
بعد البحث في كل الطرقات وفي كل الجهات فلا يجدون أثراً لحضرته ويستكينوا
ويخرج بعد استكانتهم بعد تثبيت الحر الشديد
كلف من يحضر له الطعام وكلف ابن أبي بكر أن يجلس حول الكعبة يتلمّس له الأخبار
ليعلم ما الذي وصلوا إليه من خبره وما الذي يدور في أفكارهم وما الذي استقرت عليه آراءهم
وكلف راعي الغنم لأبي بكر أن يمشي في خلف عبد الله بن أبي بكر ذهاباً وإياباً حتى لا يبقى
لأرجلهم موضع أثر فلا يعرف الكافرون أين ذهبوا
واتخذوا طريقاً بعيداً غير الطريق العادي الذي يسلكه الناس واتفق مع دليل يمشي
به في هذا الطريق مع أنه يمشي بالله ويعتمد على مولاه لكن لا بد له من دليل
في هذا الطريق وإن كان هذا الدليل كافراً لا يؤمن بالله خطط النبي
هذا التخطيط المحكم حتى تتعلم الأمة
فمن يُرد أن يقيم مشروعاً يخدمه في حياته لابد أن يُخطط تخطيطاً جيدا فكل من يُخطط
لأولاده بأن يكونوا ناجحين في الدنيا وأن يكونوا بررةً به وأن يكونوا نافعين لأنفسهم
في الدار الآخرة لا بد من التخطيط لذلك وما ضيّع المسلمين في هذا الزمان إلا بالتخطيط
الذي تهاونوا فيه وادِّعوا بعد ذلك أنهم يمشون بالبركة وأنهم يعتمدون على الله
وأنهم يتوكلون على الله فهم متواكلون وليسوا متوكِّلين لأن المتوكل
يقول فيه حضرة النبي {اعقلها وتوكّل}[2]
أي دبّر أمرك خير تدبير وأحسن غاية الإحسان وضع خطة محكمة ثم بعد ذلك توكل على الله
واضرع إلي الله واستعن بالله وأسند ظهرك إلي الله تكون بذلك قد اتبعت
سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من فعل ذلك من الأمة كان معه نصر الله في كل أموره
وكان معه تأييد الله في كل أحواله وكان معه عناية الله في كل مواقفه
كما كانت عناية الله ونصرته مع حضرة النبي
لقد سار صلّى الله عليه وسلّم في طريقه وعندما لحق به سُراقة بن مالك
وهمّ بأخذه وخشي الصديق عليه فَدَعَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَاخَتْ
بِهِ فَرَسُهُ فَقَالَ: ادْعُ اللَّهَ لِي وَلَا أَضُرُّكَ، فَدَعَا اللَّهَ لَهُ [3]
واقترب النبي صلّى الله عليه وسلّم من المدينة وكان صلّى الله عليه وسلّم بمفرده
ليس معه إلا الصديق أبي بكر والدليل عبد الله بن أريقط والله يريد إعزازه ويُريد إظهار
بعثته ويُريد أن يدخل المدينة دخول الفاتحين فسمع بخروجه نفرٌ من قبيلة بني أسلم من العرب
وكان عدد الفرسان الذين خرجوا حوالي سبعين فارساً مُدججين بالسلاح خرجوا إليه
ليغنموه ويحصلوا على الجائزة التي جهّزها أهل مكة لمن يأتي به حياً أو ميتاً
فعن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه قال: لما جعلت قريش مائة من الإبل لمن يرد
النبي صلي الله عليه وسلم حملني الطمع فركبت في سبعين من بني سهم فلقيته صلي الله عليه وسلم
فقال : من أنت؟ قلت : بريدة فالتفت صلي الله عليه وسلم إلى أبى بكر رضي الله عنه
وقال : برد أمرنا وصلح
ثم قال : ممن أنت؟ قالت : من أسلم، قال : سلمنا ثم قال: ممن؟ قالت: من بنى سهم قال :
خرج سهماه يا أبا بكر فقال بريدة للنبي صلي الله عليه وسلم: من أنت؟
قال: أنا محمد بن عبد الله رسول الله فقال بريدة :
أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله
فأسلم بريدة وأسلم من كان معه جميعا قال بريدة : الحمد لله الذي أسلم بنو سهم مطيعين
غير مكرهين فلم أصبح قال بريدة : يا رسول الله لا تدخل المدينة إلا ومعك
لواء فحل عمامته ثم شدها في رمح ثم مشى بين يديه حتى دخلوا المدينة [4]
فدخل النبي صلّى الله عليه وسلّم المدينة في حرسٍ إلهي جنَّده له أحكم الحاكمين
وأكرم الأكرمين رب العالمين وما كاد يتحرك الموكب إلا وعبد الرحمن بن عوف آتياً
من بلاد الشام وكان في تجارة وسلم على حضرة النبي
وقال: يا رسول الله لقد رأيت ثوباً لا يليق إلا بالملوك فاشتريته لك
وهذا هو الثوب خذه والبسه وأنت داخلٌ إلي المدينة
وما إن انتهى من هذا الكلام وأخذ النبي هذا الثوب ولبسه إلا والزبير بن العوام
يأتي هو الآخر من بلاد الشام وقد اشترى ثوباً لحضرة النبي يطابق هذا تماماً
ودخل النبي المدينة في ثياب الملوك تأييداً من ملك الملوك عز وجلّ وأهل المدينة
استقبلوه بالمواكب يغنون لحضرته ويُحيطون بناقته والكل يشتاق إلي أن ينزل ضيفاً عليه
في بيته ولكنه يقول لهم {دعوها فإنها مأمورة} [5]
قال صلّى الله عليه وسلّم يوم فتح مكة {لا هجرة بعد الفتح ولكن جهادٌ ونية}[6]
وقال صلّى الله عليه وسلّم {الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ
وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ} [7]
أو كما قال: {ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة}
الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين الذي أكرمنا بالهدى وملأ قلوبنا بالنور واليقين وجعلنا
من عباده المسلمين ونسأله عز وجلّ أن يُتم علينا الأمر ويتوفانا مسلمين
ويُلحقنا بالصالحين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له
يُحق الحق ويُبطل الباطل ولو كره المشركون
وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله الصادق الوعد الأمين اللهم صل وسلّم وبارك
على سيدنا محمد وارزقنا هُداه ووفقنا أجمعين للعمل بشرعه والسير على سنته يا الله
واجمعنا أجمعين يوم القيامة تحت لواء شفاعته وأدخلنا جميعاً الجنة في صحبته
واجعلنا أجمعين من الساكنين في أعلى رُتب الجنان بجوار حضرته آمين يا رب العالمين
أيها الأخوة جماعة المؤمنين :
جعل النبي صلّى الله عليه وسلّم لكل مسلمٍ في كل زمانٍ ومكان هجرة دائمة إذا أدَّاها
فاز بفضل الله وإكرام الله هذه الهجرة يقول فيها صلّى الله عليه وسلّم
{الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ } [8]
دعانا إلي أن نهجر كل ما نهى عنه الله من المعاصي والذنوب من الأفعال
التي تُغضب علام الغيوب نهجر الفُحش في القول نهجر المنكر من الأفعال نهجر الأرزاق
الخبيثة والوسائل الموصلة إليها نهجر ما حرمه الله من مطاعم ومشارب نهجر ما نهى الله عنه
من أخلاق نهجر ما نهى الله عنه من معاملات غير مطابقة لشرع الله
ولا لهدى حبيب الله ومصطفاه
المؤمن مطالبٌ في كل زمان ومكان أن يهاجر هذه الهجرة التي أمرنا بها النبي
صلوات الله وتسليماته عليه وأمرنا الله بعد ذلك إن أردنا أن نكون في الدنيا في أحسن
حال وفي الآخرة في خير مآل أن نطيع النبي وأن نتأسى في حركاتنا وسكناتنا
بالنبي وأن نتابع في كل حركاتنا وأفعالنا حضرة النبي وقال الله عز وجلّ لكم يا أتباع النبي
{وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} 54:النور
وحذّر الذين يخالفون بتحذير شديد {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ
فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} 63:النور
ومن أراد الدرجات العُلى في الجنة والدار الآخرة فلا سبيل إلي ذلك إلا بطاعة النبي
{وَمَنْ يُطِعِ الله وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ الله عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ
وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ الله وَكَفَى بِالله عَلِيمًا} 69-70:النساء
فعلينا يا أمة النبي أن نجعل النبي صلّى الله عليه وسلّم في حركاته وفي سكناته
وفي أخلاقه وفي معاملاته وفي كل أحواله صورة ظاهرة أمام بصائرنا وأبصارنا
فلا تجعل شيئاً إلا يكون مطابقاً لحال حضرته ولا ننظر إلي أي أمرٍ إلا بالطريقة
التي كان ينظر بها إليها حضرته إذا فعلنا ذلك نلنا في الدنيا كل فلاح
وقد وافانا في الآخرة سبيل الهُدى والصلاح والنجاح
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
[1] البخاري ومسلم
[2] الراوي: أنس بن مالك المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الترمذي - الصفحة
أو الرقم: 2517 خلاصة حكم المحدث: حسن
[3] البخاري ومسلم
[4] البيهقي
[5] ذكره البيهقي أيضا في دلائل النبوة
[6] صحيح البخاري
[7] البخاري
[8] البخاري[/color]
| |
|