موجز آخر مختصر عن علم المواريث
اعلم أن أحكام المواريث صنفت فيها التصانيف المستقلة من مختصرة و مطولة و قد ذكر العلماء من فضلها و الاهتمام بشأنها ما لا يتسع هذا الوضع لذكره و هي من الأحكام التي بينها الله مفصلة في كتابه، و قال النبي (صلى الله عليه و سلم) في الحديث الصحيح:- " ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر : و لما كانت على هذه الصفة قل الخلاف فيها جداً بالنسبة إلى غيرها، و حصل الاتفاق على أحكامها و لله الحمد، لأن الآيات القرآنية المتعلقة بها مع الحديث المذكور تجمع مسائلها، و تضم مفارقاتها، و إلحاق الفرائض بأهلها ثم بقي يعطي أقرب العصبات، و هو الطريق لفهمها فلا أبلغ في التعليم من سلوك الطرق التي نبه الشارع عليها لكمال علمه و سعة حكمته و رحمته. و لننشر ذلك و ننبه عليه تنبيها يحصل به المقصود. فأعلم أن أحكام الفرائض كلها تنبني على معرفة ثلاثة أمور: - أحدها:- في ذكر أهل الفرائض و الشروط المشترطة لإرث كل منهم فرضه المخصوص. والثاني :- في ذكر العصبات و درجاتهم و كيفية تقديم بعضهم على بعض. والثالث:- في ذكر الرد و العول، و أما إرث ذوي الأرحام فهو فرع عن ذلك أما الأمر الأول ففي ذكر أهل الفروض و شروط إرثهم لها.
أما الفروض:- فهي النصف و الربع و الثمن و الثلثان و الثلث و السدس فرضها الله للزوجين و للبنات و إن نزلن و الأخوات مطلقاً و الأخوة من الأم و الأصول مطلقاً. فالزوج له حالتان:- يرث النصف إذا لم يكن لزوجته ولد صلب و لا ولد ابن لا ذكر و لا أنثى. لا منه و لا من غيره و هذا هو المراد بالولد عند الإطلاق. و له الربع:- مع وجود أحد من المذكورين. والزوجة واحدة أو متعددة لها حالتان:- ترث الربع مع عدم الولد و الثمن مع وجوده. و للأم ثلاث حالات:- ترث السدس مع وجود الولد أو أثنين فأكثر من الإخوة و الأخوات. و ترث الثلث مع فقد المذكورين و ترث الباقي في العمريتين و هما أب و أم مع زوج أو زوجة. أما الجدة أو الجدات:- فليس لها إلا حال واحدة حيث ورثت ترث السدس بكل حال و الأب يرث السدس مع وجود الأولاد ذكورا و إناثا فمع الذكور لا يزيد عليه. و مع الإناث إن بقي بعد الفروض شيء أخذه. و مع عدم الأولاد مطلقاً يرث بلا تقدير و الجد:- عند عدم حكمه حكمه إلا مع الأخوة مطلقا و أنهم لا يرثون معه كما لا يرثون مع الأب، و هو إحدى الروايتين عن أحمد
اختارها الشيخ و هو أصح بل هو الصواب لأدلة كثيرة عليه. و للبنت الواحدة:- النصف إذا لم يكن في
درجتها أحد. و بنت الإبن:- كذلك بشرطين:- أن لا يكون بدرجتها أحد و لا فوقها أحد. و الأخت الشقيقة:- بثلاثة شروط عدم
الفروع مطلقا و عدم الأصول من الذكور و أن لا يكون بدرجتها أحد . وللأخت للأب:- بهذه الشروط و عدم
الأشقاء. و الثلثان لثنتين فأكثر من المذكورات بهذه الشروط و أن لا يكون بدرجتهن ذكر يعصبهن. فإن كان بنت و بنت ابن فأكثر كان للبنت النصف، و لبنت الابن السدس تكملة الثلثين، فإن استغرقت العاليات الثلثين سقطت النازلات، إلا أن يكون بدرجتهن
أو أنزل منهن من أولاد الابن ذكر فيعصبهن، و يسمي القريب المبارك و مثلهن الأخوات من الأب مع الشقيقات إلا أنه لا يعصبن إلا أخوهن. و أما ابن الأخ:- فلا يعصبهن بل يختص بالباقي تعصيباً؛ لأنه من غير جنسهن. و إذا كان بنات صلب أو بنات ابن
معهن أخوات شقيقات أو لأب أخذت الأخوات ما فضل عن فرض البنات. أما الأخوة للأم ذكور هم و إناثهم:-
فيرثون في الكلالة و هو من لا فروع و لا أصول ذكور، الواحد منهم السدس و الاثنان فأكثر الثلث يستوي فيهم ذكرهم و أنثاهم، لأنهم خالفوا باقي الورثة في مسائل منها هذه، و منها أن كل ذكر يدلي بأنثى فلا يرث له إلا الإخوة للأم، و منها أن كل من أدلى بوارث حجبه ذلك المدلى به إلا الإخوة للأم مع الأم إجماعاً، و غلا الجدة أم الأب و أم الجد مع الأب و الجد في قول جمهور العلماء إذا تقررت أحوال أهل الفروض. الأمر الثاني:- في العصبات و درجاتهم و كيفية ترتيبهم في الإرث و بما تقدم يعلم الحجب. فالعصبات حدهم هم الذين يرثون بلا نصيب مقدر فيترتب على هذا أن الواحد منهم إذا انفرد أخذ المال كله، و إذا بقي بعدالفروض شيء أخذه قليلا كان أو كثيرا، و إذا استغرقت الفروض التركة سقط العاصب، حتى في المسألة التي يسميها الفرضيون الحمارية و هي : زوج له النصف، و أم لها السدس و إخوة لأم لهم الثلث و إخوة أشقاء عصبة يسقطون كما هو مذهب الإمام أحمد و جمهور العلماء و قد دل ذلك قول النبي (صلى الله عليه و سلم) : " الحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر " مفهوم الحديث أنه إذا لم يبق شيء سقط العاصب من دون تفصيل فدخلت فيه هذه المسألة و لهذه المسألة أدلة ذكرت في غير هذا الموضع. و أما درجات العصبة فالذي عليه المعول أن جهات العصبة خمس:-
(1) البنوة و إن نزلوا (2) و الأبوة و إن علوا بمحض الذكور (3) و الأخوة و أبناؤهم و عن نزلوا بمحض الذكور و إن نزلوا (4) و الأعمام لأب أو لهما وأبناؤهم و إن نزلوا (5) و الولاء. فإن وجد عاصب واحد من هذه الجهات الخمس تثبت له أحكام العاصب السابق يأخذ المال إذا انفرد أو ما أبقت واحد في جهة أو يكونوا في جهة واحدة. فإن كان كل واحد في جهة قدم الأبعد، و لو كان الأبعد شقيقاً، فإن كانوا في المنزلة سواء قدم القوى و هو الشقيق على الذي لأب، فتقديم الإبن على باقي العصباتتقديم للجهة، و تقديمه على ابن الابن من باب قرب المنزلة و تقديم الأخ الشقيق على الأخ لأب من باب تقديم القوة فإن تساووا من كل وجه اشتركوا و هؤلاء العصبات مع أخواتهم قسمان:- قسم للذكر مثل حظ الأنثيين، و هم البنون و بنوهم مع أخواتهم و الأخوة الأشقاء أو لأب مع أخواتهم. و ليس لأخته معه شيء؛ لكونها من ذوي الأرحام و هم باقيهم.
فعلم مما تقدم أن الأخوات مع أخواتهم في المواريث ثلاثة أقسام:- هذان القسمان و الثالث
الذكر و الأنثى سواء وهم الإخوة للأم