10- أم المؤمنين السيدة رملة ام حبيبة رضى الله عنها:-
-----------------------------------------
نسبها ونشأتها:-
----------
أم المؤمنين، السيدة المحجبة، من بنات عم الرسول- صلى الله عليه وسلم- ، رملة بنت أبي سفيان
صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف . صحابية جليلة، ابنة زعيم، وأخت خليفة، وزوجة خاتم
النبيين محمد- عليه الصلاة والسلام, فأبوها أبو سفيان، زعيم ورئيس قريش، والذي كان في بداية الدعوة العدو
اللدود للرسول- عليه الصلاة والسلام- وأخوها معاوية بن أبي سفيان، أحد الخلفاء الأمويين، ولمكانة وجلالة
منزلة أم حبيبة في دولة أخيها
(في الشام)، قيل لمعاوية: "خال المؤمنين" . وأخيراً، فهي من زوجات الرسول-عليه الصلاة والسلام-، فليس
هناك من هي أكثر كرماً وصداقاً منها، ولا في نسائه من هي نائية الدار أبعد منها. وهذا دليل على زهدها
وتفضيلها لنعم الآخرة على نعيم الدنيا الزائل.
كانت أم حبيبة من ذوات رأي وفصاحة، تزوجها أولاً عبيد الله بن جحش، وعندما دعا الرسول-
عليه الصلاة والسلام- الناس في مكة إلى الإسلام، أسلمت رملة مع زوجها في دار الأرقم بن أبي الأرقم،
وحينما اشتد الأذى بالمسلمين في مكة؛ هاجرت رملة بصحبة زوجها فارة بدينها متمسكة بعقيدتها، متحملة الغربة
والوحشة، تاركة الترف والنعيم التي كانت فيها، بعيدة عن مركز الدعوة والنبوة، متحملة مشاق السفر والهجرة،
فأرض الحبشة بعيدة عن مكة، والطريق تتخلله العديد من الطرق الوعرة، والحرارة المرتفعة، وقلة المؤونة، كما
أن رملة في ذلك الوقت كانت في شهور حملها الأولى، في حين نرى بأن سفر هذه الأيام سفر راحة ورفاهية،
ووسائل النقل المتطورة ساعدت على قصر المسافة بين الدول. وبعد أشهر من بقاء رملة في الحبشة، أنجبت
مولودتها "حبيبة"، فكنيت "بأم حبيبة".
رؤية أم حبيبة:-
-----------
في إحدى الليالي، رأت أم حبيبة في النوم أن زوجها عبيد الله في صورة سيئة، ففزعت من ذلك ، وحينما
أصبحت، أخبرها زوجها بأنه وجد في دين النصرانية ما هو أفضل من الإسلام، فحاولت رملة أن ترده إلى
الإسلام ولكنها وجدته قد رجع إلى شرب الخمر من جديد. وفي الليلة التالية، رأت في منامها أن هناك منادياً
يناديها بأم المؤمنين، فأولت أم حبيبة بأن الرسول سوف يتزوجها. وبالفعل؛ مع مرور الأيام، توفي زوجها على
دين النصرانية، فوجدت أم حبيبة نفسها غريبة في غير بلدها، وحيدة بلا زوج يحميها، أمًّا لطفلة يتيمة في سن
الرضاع، وابنة لأب مشرك تخاف من بطشه ولا تستطيع الالتحاق به في مكة، فلم تجد هذه المؤمنة غير الصبر
والاحتساب، فواجهت المحنة بإيمان وتوكلت على الله- سبحانه وتعالى
زواج أم حبيبة:-
-----------
علم الرسول- صلى الله عليه وسلم- بما جرى لأم حبيبة، فأرسل إلى النجاشي طالباً الزواج منها، ففرحت أم
حبيبة ، وصدقت رؤياها، فعهدها وأصدقها النجاشي أربعمائة دينار، ووكلت هي ابن عمها خالد بن سعيد ابن
العاص، وفي هذا دلالة على أنه يجوز عقد الزواج بالوكالة في الإسلام. وبهذا الزواج خفف الرسول من عداوته
لبني أمية، فعندما علم أبو سفيان زواج الرسول من ابنته رملة، قال: ذاك الفحل، لا يقرع أنفه! ويقصد أن
الرسول رجل كريم، وبهذه الطريقة خفت البغضاء التي كانت في نفس أبي سفيان على الرسول
- صلى الله عليه وسلم-، كما أن في هذا الموقف دعوة إلى مقابلة السيئة بالحسنة، لأنها تؤدي إلى دفع وزوال
الحقد والضغينة و صفاء النفوس بين المتخاصمين.
أبو سفيان في بيت أم حبيبة:-
---------------------
حينما نقض المشركون في مكة صلح الحديبية، خافوا من انتقام الرسول- صلى الله عليه وسلم-، فأرسلوا
أبا سفيان إلى المدينة لعله ينجح في إقناع الرسول بتجديد الصلح، وفي طريقه إلى النبي
- عليه الصلاة والسلام-، مر أبو سفيان على ابنته أم حبيبة في بيتها، وعندما هم بالجلوس على فراش الرسول-
(صلى الله عليه وسلم) سحبته أم حبيبة من تحته وطوته بعيداً عنه، فقال أبو سفيان: "أراغبة بهذا الفراش يا بنية
عني؟ أم بي عنه؟" ،
فأجابته: "بل به عنك ، لأنه فراش الرسول- صلى الله عليه وسلم- وأنت رجل نجس غير مؤمن"، فغضب
منها، وقال: "أصابك بعدي شر"، فقالت: "لا والله بل خير". وهنا نجد بأن هذه المؤمنة أعطت أباها المشرك
درساً في الإيمان، ألا وهو أن رابطة العقيدة أقوى من رابطة الدم والنسب، وأنه يجب علينا عدم مناصرة
وموالاة الكفار مهما كانت صلة المسلم بهم، بل يجب علينا محاربتهم ومقاتلتهم من أجل نصرة الإسلام.
لذلك ، جهز الرسول - صلى الله عليه وسلم- المسلمين لفتح مكة، وبالرغم من معرفة أم حبيبة لهذا السر، إلا
أنها لم تخبر أباها، وحافظت على سر رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وسر المسلمين. ففتح المسلمون مكة،
ودخل العديد من المشركين في دين الله، وأسلم أبو سفيان، فتكاملت أفراح أم حبيبة وشكرت الله على هذا الفضل
العظيم. وفي هذا الموقف إشارة إلى أنه يجب على المسلمة حفظ سر زوجها، وعدم البوح به حتى لأقرب الناس
إليها، فهناك العديد من النساء اللاتي يشركن الأهل في حل المشاكل الزوجية، والكثير من هؤلاء النسوة يطلقن
بسبب إفشائهن للسر وتدخل الأهل. لذلك يجب على الزوجة الصالحة المحافظة على بيت الزوجية وعدم البوح
بالأسرار.
دورها في رواية الحديث الشريف:-
-------------------------
روت أم حبيبة- رضي الله عنها- عدة أحاديث عن الرسول- صلى الله عليه وسلم-. بلغ مجموعها خمسة وستين
حديثاً، وقد اتفق لها البخاري ومسلم على حديثين. فلأم حبيبة- رضي الله عنها- حديث مشهور في تحريم الربيبة
وأخت ،" فعن زينب بنت أم سلمة عن أم حبيبة بنت أبي سفيان قالت دخل علي رسول الله
(صلى الله عليه وسلم) قلت : يارسول الله ، انكح أختي ابنة أبي سفيان ، قال : ( وتحبين ذلك ) .
فقلت : نعم ، لست لك بمخلية ، وأحب من مشاركني في الخير أختي ، فقال : ( إن ذلك لا يحل لي ) .
فقلت : يارسول الله ، فوالله إنا نتحدث أنك تريد أن تنكح درة بنت أبي سلمة ؟ قال : ( ابنة أم سلمة ) .
فقلت : نعم ، فقال : ( فوالله لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي ، إنها ابنة أخي من الرضاعة ،
أرضعتني وأبا سلمة ثويبة ، فلا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن ) " . الراوي: أم حبيبة بنت أبي سفيان -
خلاصة الدرجة: [صحيح] - المحدث: البخاري - المصدر:الجامع الصحيح -الصفحة أو الرقم: 5372
كذلك حديثها في فضل السنن الراتبة قبل الفرائض وبعدهن. كما أنها ذكرت أحاديث في الحج، كاستحباب
دفع الضعفة من النساء وغيرهن من المزدلفة إلى منى في أواخر الليل قبل زحمة الناس، كما أنها روت
في وجوب الإحداد للمرأة المتوفى عنها زوجها، ووفي أبواب الصوم: روت في الدعاء بعد الأذان، وفي العير
التي فيها الجرس لا تصحبها الملائكة، وغيرها من الأحاديث التي كانت تصف أفعال الرسول
- عليه الصلاة والسلام- وأقواله
وفاتها:-
-----
توفيت- رضي الله عنها- سنة 44 بعد الهجرة، ودفنت في البقيع، وكانت قد دعت عائشة- أم المؤمنين-
قبل وفاتها، فقالت: قد يكون بيننا وبين الضرائر فغفر لي ولك ما كان من ذلك. . فقالت عائشة: غفر الله
لك ذلك كله وتجاوز وحلك من ذلك ، فقالت أم حبيبة: سررتني سرك الله. وأرسلت إلى أم سلمة فقالت
لهل: مثل ذلك ، وفي هذا إشارة إلى ما يجب على المسلمين أن يفعلوه قبل ساعة الموت، ألا وهو التسامح
والمغفرة، كما فعلت أم حبيبة مع أمهات المؤمنين- رضوان الله عليهن أجمعين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
11- أم المؤمنين السيدة مــارية القبطـية( المصرية) رضي الله عنها:-
--------------------------------------------------
قدمت مارية إلى المدينة المنورة بعد صلح الحديبية في سنة سبع من الهجرة. وذكر المفسرون أن اسمها مارية
بنت شمعون القبطية، بعد أن تم صلح الحديبية بين الرسول صلى الله عليه و سلم وبين المشركين في مكة،
بدأ الرسول في الدعوة إلى الإسلام ، وكتب الرسول - صلى الله عليه وسلم - كتبا إلى ملوك العالم يدعوهم
فيها إلى الإسلام، واهتم بذلك اهتماماً كبيراً، فاختار من أصحابه من لهم معرفة و خبرة، وأرسلهم إلى الملوك،
ومن بين هؤلاء الملوك هرقل ملك الروم، كسرى أبرويز ملك فارس، المقوقس ملك مصر و النجاشي ملك
الحبشة. تلقى هؤلاء الملوك الرسائل وردوا رداً جميلا، ما عدا كسرى .ملك فارس، الذي مزق الكتاب.
لما أرسل الرسول كتاباً إلى المقوقس حاكم الإسكندرية والنائب العام للدولة البيزنطية في مصر، أرسله مع
حاطب بن أبي بلتعة، وكان معروفاً بحكمته وبلاغته وفصاحته.
فأخذ حاطب كتاب الرسول (صلى الله عليه و سلم) إلى مصر وبعد ان دخل على المقوقس،
الذي رحب به.
واخذ يستمع إلى كلمات حاطب، فقال له " يا هذا، إن لنا ديناً لن ندعه إلا لما هو خير منه".
واُعجب المقوقس بمقالة حاطب، فقال لحاطب: " إني قد نظرت في أمر هذا النبي فوجدته لا يأمر بزهودٍ فيه،
ولا ينهي عن مرغوب فيه، ولم أجدهُ بالساحر الضال، ولا الكاهن الكاذب، ووجدت معه آية النبوة بإخراج
الخبء و الأخبار بالنجوى وسأنظر"
أخذ المقوقس كتاب النبي (صلى الله عليه و سلم) وختم عليه، وكتب إلى النبي (صلى الله عليه و سلم)
" بسم الله الرحمن الرحيم
لمحمد بن عبدالله، من المقوقس عظيم القبط، سلام عليك، أما بعد
فقد قرأت كتابك، وفهمت ما ذكرت فيه، وما تدعو إليه، وقد علمت أن نبياً بقي،
وكنت أظن أنه سيخرج بالشام، وقد أكرمت رسولك، وبعثت إليك بجاريتين لهما
مكان في القبط عظيم، وبكسوة، وأهديتُ إليك بغلة لتركبها والسلام عليك".
وكانت الهدية جاريتين هما:- (مارية بنت شمعون القبطية وأختها سيرين).
وفي طريق عودة حاطب إلى المدينة، عرض على ماريه وأختها الإسلام ورغبهما فيه، فأكرمهما الله بالإسلام.
وفي المدينة، أختار الرسول (صلى الله عليه و سلم) مارية المصرية القبطية لنفسه.
ووهب أختها سيرين لشاعره الكبير حسان بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه. كانت ماريه رضي الله عنها
بيضاء جميلة الطلعة، وقد أثار قدومها الغيرة في نفس عائشة رضي الله عنها، فكانت تراقب مظاهر اهتمام
رسول الله (صلى الله عليه و سلم) بها.
وقالت عائشة رضي الله عنها:" ما غرت على امرأة إلا دون ما غرت على مارية، وذلك أنها كانت جميلة
جعدة-أو دعجة- فأعجب بها رسول الله صلى الله عليه و سلم وكان أنزلها أول ما قدم بها في بيتٍ لحارثة
بن النعمان، فكانت جارتنا، فكان عامة الليل والنهار عندها، حتى فرغنا لها، فجزعت فحولها إلى العالية،
وكان يختلف إليها هناك، فكان ذلك أشد علينا" .
ولادة مارية لإبراهيم:-
----------------
وبعد مرور عام على قدوم مارية إلى المدينة، حملت مارية، وفرح النبي لسماع هذا الخبر فقد كان قد قارب
الستين من عمره وفقد أولاده ما عدا فاطمـة الزهراء رضوان الله عليها. ولدت مـارية في "شهر ذي الحجة من
السنة الثامنة للهجرة النبوية الشريفة"، طفلاً جميلاً يشبه الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد سماه إبراهيم، " تيمناً
بأبيه إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام" وبهذه الولادة أصبحت مـارية حرة .
وعاش إبراهيم ابن الرسول (صلى الله عليه و سلم) سنة وبضع شهور يحظى برعاية رسول الله
(صلى الله عليه و سلم) ولكنه مرض قبل أن يكمل عامه الثاني، وذات يوم اشتد مرضه، ومات إبراهيم
وهو ابن ثمانية عشر شهراً، " وكانت وفاته يوم الثلاثاء لعشر ليال خلت من ربيع الأول سنة عشر من الهجرة
النبوية المباركة"، وحزنت مارية حزناً شديداً على موت إبراهيم.
مكانة مارية في القرآن الكريم:-
-----------------------
لمـارية رضي الله عنها شأن كبير في الآيات المباركة وفي أحداث السيرة النبوية.
"أنزل الله عز وجل صدر سورة التحريم بسبب مارية القبطية، وقد أوردها العلماء والفقهاء والمحدثون
والمفسرون في أحاديثهم وتصانيفهم".
وقد توفي الرسول عنها (صلى الله عليه و سلم) وهو راض عن مـارية، التي تشرفت بالبيت النبوي الطاهر،
وعدت من أهله، وكانت مـارية شديدة الحرص على اكتساب مرضاة الرسول (صلى الله علية وسلم)،
كما عرفت بدينها وورعها وعبادتها.
وفاة مارية:-
---------
عاشت مـارية ما يقارب (الخمس سنوات) في ظلال الخلافة الراشدة.
وتوفيت في السنة السادسة عشر من محرم.
دعا عمر الناس وجمعهم للصلاة عليها .
فاجتمع عدد كبير من الصحابة من الهاجرين والأنصار ليشهدوا جنازة مـارية القبطية، وصلى عليها
سيدنا عمر رضي الله عنه في البقيع، ودفنت إلى جانب نساء أهل البيت النبوي، وإلى جانب ابنها إبراهيم.
الخــــاتمة:-
--------
في نهاية المطاف أتمنى من المولى عز و جل أن أكون قد وفقت في كتابة هذا الموضوع .
حيث إني دونت فيه عن الهدية الرائعة التي وهبها المقوقس إلى النبي (صلى الله عليه و سلم) .
ومكانة هذه السيدة العظيمة في القرآن الكريم ولحظة ولادتها لإبراهيم الذي كان مثار محبة النبي
(صلى الله عليه و سلم) ، وكلي أمل في أن يحقق عرض هذا الموضوع الفائدة المرجوة منه .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
12-- أم المؤمنين السيدة ميمونة بنت الحارث رضى الله عنها:-
---------------------------------------------
آخر أمهات المؤمنين - رضي الله عنها-
اسمها ونسبها:-
----------
هي ميمونة بنت الحارث بن حزن بن جبير بن الهزم بن روبية بن عبدالله بن هلال بن عامر بن صعصعة
الهلالية.
فأما أمها كانت تدعى هند بنت عوف بن زهير بن الحرث، وأخواتها: أم الفضل (لبابة الكبرى)
زوج العباس رضي الله عنهما، و لبابة الصغرى زوج الوليد بن المغيرة المخزومي وأم خالد بن الوليد،
وعصماء بني الحارث زوج أُبي بن الخلف، وغرة بنت الحرث زوج زياد بن عبدالله بن مالك الهلالي ..
وهؤلاء هن أخواتها من أمها وأبيها. أما أخواتها لأمها فهن: أسماء بنت عميس زوج جعفر رضي الله عنه،
ثم مات فخلف عليها أبو بكر الصديق رضي الله عنه، ثم مات فخلف عليها علي كرم الله وجه.
وسلمى بنت عميس زوج حمزة بن عبدالمطلب رضي الله عنه، ثم مات فخلف عليها شداد بن أسامة بن الهاد.
وسلامة بنت عميس زوج عبدالله بن كعب بن عنبة الخثعمي.
ولهذا عُرفت أمها هند بنت عوف بأكرم عجوز في الأرض أصهاراً، فأصهارها: أشرف الخلق رسول الله
(صلى الله عليه وسلم)، وصاحبه الصديق، وعميه حمزة والعباس ابنا عبدالمطلب، وجعفر وعلي أبناء
عمه أبي طالب، وشداد بن الهاد رضي الله عنهم أجمعين. وتلك فضائل حسان، فهل فوق ذلك من أسمى وأفخر
من هذا النسب الأصيل والمقام الرفيع...؟؟!!
أزواجها قبل الرسول صلى الله عليه وسلم:-
-------------------------------
كان زواجها رضي الله عنها أولاً بمسعود بن عمرو الثقفي قبيل الإسلام، ففارقها وتزوجها أبو رهم بن عبدالعزى.
فتوفي عنها وهي في ريعان الشباب. ثم ملأ نور الإيمان قلبها، وأضاء جوانب نفسها حتى شهد الله تعالى
لها بالإيمان، وكيف لا وهي كانت من السابقين في سجل الإيمان. فحظيت بشرف الزواج من رسول الله
(صلى الله عليه وسلم) في وقت فراغه من عمرة القضاء سنة 7 للهجرة.
همس القلوب وحديث النفس:-
--------------------
وفي السنة السابعة للهجرة النبوية، دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مكة معتمرين، وطاف الحبيب
المصطفى بالبيت العتيق بيت الله الحرام.
وكانت ميمونة بمكة أيضاً ورأت رسول الله وهو يعتمر فملأت ناظريها به حتى استحوذت عليها فكرة أن تنال
شرف الزواج من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأن تصبح أماً للمؤمنين، وما الذي يمنعها من تحقيق حلم
لطالما راودتها في اليقظة والمنام وهي التي كانت من السابقين في سجل الإيمان وقائمة المؤمنين؟ وفي تلك
اللحظات التي خالجت نفسها همسات قلبها المفعم بالإيمان، أفضت ميمونة بأمنيتها إلى أختها أم الفضل، وحدثتها
عن حبها وأمنيتها في أن تكون زوجاً للرسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأماً للمؤمنين، وأما أم الفضل
فلم تكتم الأمر عن زوجها العباس فأفضت إليه بأمنية أختها ميمونة، ويبدو أن العباس أيضاً لم يكتم الأمر
عن ابن أخيه فأفضى إليه بأمنية ميمونة بنت الحارث. فبعث رسول الله ابن عمه جعفر بن أبي طالب ليخطبها
له، وما أن خرج جعفر رضي الله عنه من عندها، حتى ركبت بعيرها وانطلقت إلى رسول الله
(صلى الله عليه وسلم)، وما أن وقعت عيناها عليه
(صلى الله عليه وسلم) حتى قالت:- "البعير وما عليه لله ورسوله".
ميمــونة في القرآن الكريـم:-
--------------------
وهكذا وهبت ميمونة نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم وفيها نزل قوله تعالى:-
(وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين)).
لقد جعلت ميمونة أمرها إلى العباس بن عبد المطلب فزوجها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل أيضاً
أن العباس قال لرسول الله (صلى الله عليه وسلم):-
"إن ميمونة بنت الحارث قد تأيمت من أبي رهم بن عبدالعزى،هل لك أن تتزوجها؟" ، فتزوجها رسول الله
(صلى الله عليه وسلم).
ميمونة والزواج الميمون:-
-------------------
أقام رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه بمكة ثلاثة أيام، فلما أصبح اليوم الرابع، أتى إليه,
(صلى الله عليه وسلم) نفر من كفار قريش ومعهم حويطب بن عبدالعزى - الذي أسلم فيما بعد- فأمروا
الرسول (صلى الله عليه وسلم) أن يخرج بعد أن انقضى الأجل وأتم عمرة القضاء والتي كانت عن عمرة
الحديبية .
فخرج رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وخلف مولاه أن يحمل ميمونة إليه حين يمسي.
فلحقت به ميمونة إلى سَرِف، وفي ذلك الموضع بنى الرسول (صلى الله عليه وسلم) في هذه البقعة المباركة،
ويومئذ سماها الرسول (صلى الله عليه وسلم) ميمونة بعد أن كان اسمها برة. فعقد عليها بسرف بعد تحلله من
عمرته لما روي عنها: "تزوجني رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ونحن حلالان بسرف".
الراوي: ميمونة - خلاصة الدرجة:- صحيح - المحدث: الألباني - المصدر: صحيح أبي داود -
الصفحة (أو الرقم: 1843)
ميمونة والرحلة المباركة إلى المدينة المنورة:-
---------------------------------
ودخلت ميمونة رضي الله عنها البيت النبوي وهي لم تتجاوز بعد (السادسة والعشرين). وإنه لشرف لا يضاهيه
شرف لميمونة، فقد أحست بالغبطة تغمرها والفرحة تعمها، عندما أضحت في عداد أمهات المؤمنين الطاهرات
رضي الله عنهن جميعاً.
وعند وصولها إلى المدينة استقبلتها نسوة دار الهجرة بالترحيب والتهاني والتبريكات، وأكرمنها خير إكرام،
إكراماً للرسول (صلى الله عليه وسلم) وطلباً لمرضاة الله عز وجل.
ودخلت أم المؤمنين الحجرة التي أعد لها الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) لتكون بيتاً لها أسوة بباقي
أمها المؤمنين ونساء رسول الله (صلى الله عليه وسلم). وهكذا بقيت ميمونة تحظى بالقرب من رسول الله
(صلى الله عليه وسلم) وتتفقه بكتاب الله وتستمع الأحاديث النبوية من الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم)،
وتهتدي بما يقوله، فكانت تكثر من الصلاة في المسجد النبوي لأنها سمعت النبي (صلى الله عليه وسلم)
يقول:- "صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلى المسجد الحرام".
وظلت ميمونة في البيت النبوي وظلت مكانتها رفيعة عند رسول الله حتى إذا اشتد به المرض
عليه الصلاة والسلام نزل في بيتها.. ثم استأذنتها عائشة بإذن النبي (صلى الله عليه وسلم) لينتقل إلى بيتها
ليمرض حيث أحب في بيت عائشة.
حفظها للأحاديث النبوية:-
----------------
وبعد انتقال الرسول (صلى الله عليه وسلم) إلى الرفيق الأعلى، عاشت ميمونة رضي الله عنها حياتها
بعد النبي (صلى الله عليه وسلم) في نشر سنة النبي (صلى الله عليه وسلم) بين الصحابة والتابعين؛ لأنها كانت
ممن وعين الحديث الشريف وتلقينه عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ولأنها شديدة التمسك بالهدي النبوي
والخصال المحمدية، ومنها حفظ الحديث النبوي الشريف وروايته ونقله إلى كبار الصحابة والتابعين
وأئمة العلماء.
و كانت أم المؤمنين ميمونة رضي الله عنها من المكثرات لرواية الحديث النبوي الشريف والحافظات له، حيث
أنها روت عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) (ستاً وسبعين حديثاً).
ميمونة وشهادة الإيمان والتقوى:-
-----------------------
وعكفت أم المؤمنين على العبادة والصلاة في البيت النبوي وراحت تهتدي بهدي رسول الله
(صلى الله عليه وسلم) - وتقتبس من أخلاقه الحسنة، وكانت حريصة أشد الحرص على تطبيق حدود الله، ولا
يثنيها عن ذلك شيء من رحمة أو شفقة أو صلة قرابة، فيحكى أن ذا قرابة لميمونة دخل عليها، فوجدت منه ريح
شراب، فقالت: "لئن لم تخرج إلى المسلمين، فيجلدونك، لا تدخل علي أبدا". وهذا الموقف خير دليل على
تمسك ميمونة رضي الله عنها بأوامر الله عز وجل وتطبيق السنة المطهرة فلا يمكن أن تحابي قرابتها في تعطيل
حد من حدود الله. وقد زكى الرسول (صلى الله عليه وسلم) إيمان ميمونة رضي الله عنها وشهد لها ولأخوتها
بالإيمان لما روى عن ابن عباس رضي الله عنه قال: "قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):- الأخوات
المؤمنات ميمونة زوج النبي (صلى الله عليه وسلم)
وأم الفضل امرأة العباس وأسماء بنت عميس امرأة جعفر وامرأة حمزة وهي أختهن لأمهن "
الراوي: عبدالله بن عباس - خلاصة الدرجة: [روي] بإسنادين ورجال أحدهما رجال الصحيح - المحدث:
الهيثمي - المصدر: مجمع الزوائد - الصفحة (أو الرقم: 9/263).
رضي الله عنهم جميعاً.
الأيام الأخيرة والذكريات العزيزة:-
-------------------------
كانت أم المؤمنين ميمونة رضي الله عنها، قد عاشت الخلافة الراشدة وهي عزيزة كريمة تحظى باحترام الخلفاء
والعلماء، وامتدت بها الحياة إلى خلافة معاوية رضي الله عنه. وقيل: إنها توفيت سنة (إحدى وخمسين) بسرف
ولها (ثمانون سنة)، ودفنت في موضع قبتها الذي كان فيه عرسها رضي الله عنها، وهكذا جعل الله عز وجل
المكان الذي تزوجت به ميمونة هو مثواها الأخير. قال يزيد بن الأصم: "دفنا ميمونة بسرف في الظلة التي بنى
فيها رسول الله (صلى الله عليه وسلم)".
وتلك هي أمنا وأم المؤمنين أجمعين ميمونة بنت الحارث الهلالية رضي الله عنها، آخر حبات العقد الفريد، العقد
النبوي الطاهر المطهر، وإحدى أمهات المؤمنين اللواتي ينضوين تحت قول الله تعالى:-
(إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا).وصدق الله العظيم.
فضائل وأسباب شهرة ميمونة:-
----------------------
وكانت لأم المؤمنين ميمونة رضي الله عنها شهرة شهد لها التاريخ بعظمتها، ومن أسباب شهرتها
نذكر:-إن أم ميمونة هند بنت عوف كانت تعرف بأنها أكرم عجوز في الأرض أصهاراً - كما ذكرت سابقاً-
فأصهارها:- أشرف الخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصاحبه الصديق، وعميه حمزة،
والعباس ابنا عبدالمطلب، وجعفر وعلي أبناء عمه أبي طالب، وشداد بن الهاد رضي الله عنهم أجمعين.
ومن أسباب عظمتها كذلك شهادة الرسول (صلى الله عليه وسلم) لها ولأخواتها بالإيمان، لما روى عن ابن
عباس رضي الله عنه قال: "قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):- الأخوات المؤمنات:- ميمونة زوج النبي
(صلى الله عليه وسلم)، وأم الفضل زوج العباس، وسلمى امرأة حمزة، وأسماء بنت عميس أختهن لأمهن"
رضي الله عنهن جميعاً.
ومنه تكريم الله عز وجل لها عندما نزل القرآن يحكي قصتها وكيف أنها وهبت نفسها لرسول الله
(صلى الله عليه وسلم)، في قول الله تعالى:-
(وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين).
ومن ذلك أنها كانت آخر من تزوجها رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وبها ختمت أمهات المؤمنين،
وكانت نعم الختام .
وقد كانت تقيه تصل الرحم لشهادة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها لها عندما قالت:-
" إنها والله كانت من أتقانا لله وأوصلنا للرحم".
ومما يذكر لميمونة رضي الله عنها أنها كانت أم المؤمنين ميمونة رضي الله عنها من الحافظات المكثرات
لرواية الحديث النبوي الشريف، ولم يسبقها في ذلك سوى أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها،
وأم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها.