قال تعالى: “وننزِّل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين
ولا يزيد الظالمين إلا خسارًا” [سورة الإسراء: 82]
وقال: “قل هو للذين آمنوا هدىً وشفاءٌ والذين لا يؤمنون
في آذانهم وقر وهو عليهم عمىً أولئك ينادون من مكان بعيد”
[سورة فصلت: 44]
فالهدى هو العلم بالحق والعمل به، والرحمة ما يحصل من الخير
والإحسان، والثواب العاجل والآجل، لمن اهتدى بهذا القرآن العظيم.
فالهدى أجل الوسائل، والرحمة أكمل المقاصد والرغائب ولكن
لا يهتدي به، ولا يكون رحمةً إلا في حق المؤمنين، وإذا حصل
الهدى، وحصلت الرحمة الناشئة عن الهدى حصلت السعادة، والربح،
والنجاح، والفرح والسرور. ولذلك أمر الله بالفرح بذلك فقال:
“قل بفضل وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون”
[سورة يونس: 58].
والقرآن مشتمل على الشفاء والرحمة وليس ذلك لكل أحد
وإنما ذلك كله للمؤمنين به المصدقين بآياته العاملين به.
أما الظالمون بعدم التصديق به، أو عدم العمل به، فلا تزيدهم
آياته إلاخسارًا.
إذ به تقوم عليهم الحجة.
والشفاء الذي تضمنه القرآن شفاء القلوب..
(وشفاء الأبدان من آلامها وأسقامها).
فالله عز وجل يهدي المؤمنين “قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء”
يهديهم لطريق الرشد، والصراط المستقيم، ويعلمهم من العلوم
النافعة ما به تحصل الهداية التامة. ويشفيهم تبارك وتعالى
بهذا القرآن من الأسقام البدنية والأسقام القلبية؛
لأن هذا القرآن يزجر عن مساوئ الأخلاق وأقبح الأعمال
ويحثُّ على التوبة النصوح التي تغسل الذنوب وتشفي القلوب.
وأما الذين لا يؤمنون بالقرآن ففي آذانهم صمم عن استماعه
وإعراض وهو عليهم عمىً فلا يبصرون به رشدًا ولا يهتدون به
ولا يزيدهم إلا ضلالاً. وهم يدعون إلى إلا يمان فلا يستجيبون
وهم بمنزلة الذي ينادى وهو في مكان بعيد لا يسمع داعيًا
ولا يجيب مناديًا.
والمقصود: أن الذين لا يؤمنون بالقرآن، لا ينتفعون بهداه
ولا يبصرون بنوره ولا يستفيدون منه خيرًا أنهم سدوا
على أنفسهم أبواب الهدى بإعراضهم وكفرهم ويجد الإنسان
مصداق هذا القول في كل زمان وفي كل بيئة فناس يفعل هذا
القرآن في نفوسهم فينشئها إنشاءً ويحييها إحياءً ويصنع بها
ومنها العظائم في ذاتها وفيما حولها. وناس يثقل هذا القرآن
على آذانهم وعلى قلوبهم ولا يزيدهم إلا صممًا وعمىً
وقلوبهم مطموسة لا تستفيد من هذا القرآن.
وما تغيَّر القرآن ولكن تغيرت القلوب. والله عز وجل يشفي صدور
المؤمنين بنصرهم على أعدائهم وأعدائه قال سبحانه:
“قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف
صدور قوم مؤمنين ويذهب غيظ قلوبهم ويتوب الله
على من يشاء والله عليم حكيم” [سورة التوبة: 14].
فإن في قلوب المؤمنين الحنق والغيظ عليهم فيكون قتالهم شفاء
لما في قلوب المؤمنين من الغم، والهم، إذ يرون هؤلاء الأعداء
محاربين لله ولرسوله ساعين في إطفاء نور الله فيزيل الله
ما في قلوبهم من ذلك وهذا يدل على محبة الله للمؤمنين
واعتنائه بأحوالهم.