الزواج رحمة من الله تعالى لعباده، وليس من المبالغة القول بأنه لولاه لانتشرت الرذائل والمفاسد، لهذا يقول
صلى الله عليه وسلم: "إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ إِلا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ
عَرِيضٌ" (سنن الترمذي)، فلا عاصم لكثير من الناس من هذا البلاء ما لم يتزوجوا إلا بالتقوى وغض البصر
ومجاهدة النفس والصوم؛ فإنه وُجاء.
حسن الاختيار مهمة الأسرة كلها
قال تعالى:﴿وَأَنْكِحُوا الأيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ وَاللهُ
وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ (النور:32)
ففي الآية أمر عظيم من الله تعالى إلى أولياء الأمور بتزويج "الأيَّم" التي لا زوجَ لها، أو الذي ليس له زوجة.
هكذا يجب على الآباء والأمهات أن يتخيروا لفتاتهم الزوج الصالح ولابنهم الزوجة الصالحة التي تتوافر فيها
أمور خاصة وخصال معينة تكفل المعاشرة بالمعروف، ولنحذَر من التسرُّع في مثل هذه الأمور؛ خوفًا على الفتاة
من فوات قطار الزواج أو أن سنَّها سيكبر- وبالتالي تقل الفرص أمامها- أو حبًّا في رؤية الأحفاد بسرعة.. إلخ.
وقد يتسرع الشاب في اختيار شريكة حياته مفتونًا بجمالها الذي يحجب عنه بقية الصفات ويقاسي الويلات بعد
ذلك، وكم فُتنت فتيات بالوسامة وجمال الهيئة ومعسول الكلام ثم وجدت بعد الزواج أشياء أخرى وأخلاقًا عميت
عنها في الماضي جعلت حياتها بعد الزواج عذابًا.
فيا أيها الشاب وأيتها الفتاة.. ويا أيتها الأم الحريصة على سعادة ابنها أو ابنتها.. ويا أيها الأب الحريص على
سعادة أحفاد المستقبل واتصال العلاقة الحميمة بين الأسرة الكبيرة التي انبثق منها هذا الابن وبين الأسرة
الصغيرة التي هي على مشارف التكوين: إن مسئولية تلك الأسرة الصغيرة مهمتكم جميعًا، فكل منكم له دور
فيها.
سبيلنا لتكوين اللبنة الصغيرة
ما سبيلنا لتكوين تلك اللبنة الصغيرة (الأسرة)؟ وكيف يكون اختيار شريك الحياة؟ وعلى أي أساس نختار؟
إن الله سبحانه وتعالى بيَّن لنا الأساس في قوله: ﴿وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ﴾ (النور:32)؛ فقد اشترطت الآية
الدين وحسن الخلق والقدرة على النكاح، ولم تشترط الغنى، بل وعد الله فيها بأنه يغني الفقراء من الأزواج،
ومن أصدق من الله قيلاً: ﴿إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ (النور: 32)
الدين أهم عامل:
إن الدين أهم عامل في الكفاءة، فالرجل صاحب الدين يكون بارًا بزوجته، أمينًا عليها، وقد جاء رجل إلى النبي
صلى الله عليه وسلم يسأله لمن يُزوج ابنته؟ فأجابه: "زوجها لصاحب دين، إن أحبها أكرمها، وإن كرهها لم
يهنها".
والمرأة ذات الدين لا تنخدع لهواها، ولا ترخص لنفسها، ولا تهمل شأن بيتها وشأن أولادها، وتراعي حقوق
زوجها؛ فهو عندها جنتها أو نارها.