"
القاعدة في هذا الشأن أنه لا قاعدة" ..
ربما تكون تلك العبارة هي أوجز ما يمكن به عرض كتاب (كيمياء السعادة)
للكاتب حسين أحمد أمينذلك الموضوع الذي حار في دراسته الفلاسفة والعلماء علي مر العصور.. . هذا أن السعادة كسائر الأمور
والمشاعر اللاحسية والمفاهيم المطلقة كالخير والعدالة وغيرها، حين تخضع للدراسة تكن كمن يلاحق السراب؛
فما إن يخرج بفكرة ويحصل على رأي بعد طول جدل ونقاش يجد نفسه في مسار آخر يبحث عن فكرة أخرى،
فيخرج من هذا لذاك في دائرة مغلقة، مغلقة لأنها لا تعطيك الحقيقة كاملة وإن كانت واسعة سعة لا متناهية قدر
سعة هذا الكون، لكن مجرد التفكير والمناقشة يوسع المدارك ويحيي العقل..
هل ترى أن السعادة حقيقة أو وهما؟
بقدر ما قد تجد هذا السؤال سهلا بسيطا، إلا أن إجابته ليست بنفس
السهولة، فشعورك بالسعادة يجعلك متيقن من وجودها إلا أن وصفها أمرا صعبا لخروجك لعالم اللاحسيات،
وهو الأمر الذي لا تستطيع معه إثباتا بتجربة أو قطعه قطعا نافيا بدليل، وما الفرق بينها وبين مشاعر الإحساس
بالرضا، اللذة، النشوى،... وغيرها. ولأن الأمر لم يكن سهلا فقد اختلف فيه الفلاسفة؛ ففي حين رأي
(سوفكليس) استحالة تحققها على أرض الواقع مستشهدا بما حدث في الأزمان القديمة من حروب، رآها (كانط)
أمرا حقيقيا وذو قيمة عالية علي الإنسان أن يعمل من أجلها ليحصل عليها، لكن وجدها (أرسطو)
تكمن في الاكتفاء الذاتي والاستغناء عن العديد من الأشياء التي بدورها تستطيع أن ترفعك من العالم المادي
الدوني إلى فضاء أرحب من العلو الإنساني .. .
إن السعادة بالفعل موجودة، فكيف تكون غير موجودة ونقيضها الحزن، هكذا يتساءل الكاتب، ولها عوامل
لتحقيقها وعوائق تصعب من تلك المهمة، لكن هل هي بالفعل شعور متصل بالهناء والرضا لمجمل أحداث
الحياة، أم أنها لحظات وقتية غير دائمة!!. يتحدث الكاتب عن أنه يمكن أن تكون السعادة وهمية إن كانت
أسبابها متعلقة بالثراء أو الشهرة أو المال، لكن أوليس الشعور بالسعادة ينطوي على جزء من تقبل الوهم، يسوق
مثالا للشخص البخيل، واصفا إياه بشخص واهم بسعادته في جمع المال لأنه لا يرى سوي شخصه ولا يدرك
سعادة أخرى تكمن في التزامه نحو العالم، فهذا من وجهه نظره، أما البخيل فهل يشعر بافتقاده للسعادة!!، لذا
فالعدالة الإلهية تكمن في اختلاف تعريف السعادة؛ فما يسعد شخص لا يسعد آخر، وإلا لتناحر البشر على سبب
يجده الجميع مصدرا للسعادة فتفنى البشرية .. .
أما أعداء السعادة فكثر، كما أن محققيها أكثر، فقد يكون الملل أو الألم، ولكن مفهوم السعادة ليس شخصيا فحسب، فيذكر الكاتب
أن علاقة الفرد بما حوله له تأثير متحكم في شعوره بالسعادة، ويضرب مثالا علاقة الآباء بالأبناء وحياة الشاب
القلقة في بداية حياته وهو حائر بين آراء من حوله وما يريده هو خاصة وإن تعارض الإثنان؛ فإما أن يتملكه
العند لتنفيذ ما يرى فيه تحقيقا لسعادته الشخصية أو يظل عبدا للحيرة بين ما يريد وما يريده الآخرون ..
لكن الثقافة والعلم يأملان خلق طريقة للتعامل مع تلك الصراعات بما لا يضر حياة الفرد الخاصة أو المجتمع،
إلا أن هذا الحل المقترح من قبله لن ينفي أبدا حقيقة أن الشباب هم الثائرون أبد الدهر في كل عصر على
ما سبقهم، فأولى بنا أن نستغل تلك الثورة كطاقة إبداعية تفيدهم بدل ان تدمرهم .. .
وفي عدد من المقالات الملحقة بالكتاب يستعرض الكاتب نماذجا للدول السعيدة، مثل أمريكا، ناقدا للعديد
من الأسس التي قامت عليها تلك السعادة، مؤكدا أن السعادة ليست هدفا، فالشعب الأمريكي وإن كان أكثر
شعوب العالم حظا لظروف دولته والتي تنعكس عليه، فهو أكثر الشعوب خوفا وتوجسا مما يتربص به وينتظر
أن يسلبه إياه في أي لحظة، فيرى أعداؤه يتزايدون كل لحظة فلا يهنأ له بالا ولا يثق بأحد أيا كان، فاي سعادة
تلك؟!.
ومرورا بكل العوامل التي قد تجعل من الإنسان سعيدا؛ فالعشق يقع علي رأس تلك القائمة، ما بين تفسير عربي
له متمثلا في رأي الإمام الغزالي وتفكير غربي متمثلا في رأي (شوبنهاور)؛ فالعرب لا يفرقون بين العشق
والشهوة الجنسية ويرون بذلك نزولا على أرض الواقع وتقويضا لتلك الشهوة في إطار مثمر، فلا يوجد حب
عذري أو شعور أفلاطوني يرقى بمشاعر الإنسان ليتخلص من نزعته الحيوانية كما يري الغربيون، فيصبح
الحب سببا لجعله شخصا أفضل، ذات الأمر الذي يناقضه الغربيون أنفسهم بممارساتهم الفعلية لمصطلح العشق،
والتي توقعهم في فخ النزعة الحيوانية من جديد، فنحن واقعيون ماديون وهم حالمون متناقضون، ولا فضل
لفريق على فريق في هذا الأمر.. .
أخيرا، ماذا لو توقف الإنسان يوما عن لهثه الدائم وراء السعادة، فهل تتحقق أم يستغني هو عنها فيصبح
في الإستغناء عن السعادة سعادة!.