د/علاء أبوضيف Admin
عدد المساهمات : 2262 تاريخ التسجيل : 29/11/2008
| موضوع: بين الطمع والتقوى. الثلاثاء مارس 15, 2011 2:25 am | |
| قصة أبى غياث المكي وزوجته لبابة
من علامات الصدق الخوف من الله والزهد في الحياة ، فالصادق في يقينه يخاف أن يأكل من حرام، ويتحمل
الفقر والمشقة طمعا في دار السلام ، وإن أتى ذنبا فإنه لا ينام ، حتى يعود إلى ربه ، ويتبرأ من ذنبه .
قا ل ابن جرير الطبرى : كنت في مكة في موسم الحج فرأيت
رجلا من خرسان
ينادي ويقول : يا معشر الحجاج ، يا أهل مكة من الحاضر والبادي ، فقدت كيسا فيه ألف دينار ، فمن رده إلى
جزاه الله خيرا وأعتقه من النار ، وله الأجر والثواب يوم الحساب .
فقام إليه شيخ كبير من أهل مكة فقال له : يا خرساني بلدنا حالتها شديدة ، وأيام الحج معدودة ، ومواسمه
محدودة ، وأبواب الكسب مسدودة ، فلعل هذا المال يقع في يد مؤمن فقير وشيخ كبير ، يطمع في عهد عليك ،
لو رد المال إليك ، تمنحه شيئا شيئا يسيرا ، ومالا حلالا .
قال الخرساني : فما مقدار حلوانه ؟ كم يريد ؟
قال الشيخ الكبير : يريد العشر مائة دينار عشر الألف .
فلم يرض الخرسانى وقال : لا أفعل ولكنى أفوض أمره إلى الله ، وأشكوه إليه يوم نلقاه ، وهو حسبنا ونعم
الوكيل .
قال ابن جرير الطبرى: فوقع في نفسي أن الشيخ الكبير رجل فقير ،
وقد وجد كيس الدنانير ويطمع في جزء
يسير ، فتبعته حتى عاد إلى منزله ، فكان كما ظننت ، سمعته ينادى على امرأته
ويقول : يا لبابة .
فقالت له : لبيك أبا غياث .
قال : وجدت صاحب الدنانير ينادي عليه ، ولا يريد أن يجعل لواجده شيئا ، فقلت له : أعطنا منه مائة دينار ،
فأبى وفوض أمره إلى الله ، ماذا أفعل يا لبابة ؟ لا بد لى من رده ، إنى أخاف ربى ، أخاف أن يضاعف ذنبي .
فقالت له زوجته : يا رجل نحن نقاسي الفقر معك منذ خمسين سنة ، ولك أربع بنات وأختان وأنا وأمي ، وأنت
تاسعنا ، لا شاة لنا ولا مرعى ، خذ المال كله ، أشبعنا منه فإننا جوعي , واكسنا به فأنت بحالنا أوعى ، ولعل
الله عز وجل يغنيك بعد ذلك ، فتعطيه المال بعد إطعامك لعيالك ، أو يقضي الله دينك يوم يكون الملك للمالك .
فقال لها يا لبابة : أآكل حراما بعد ست وثمانين عاما بلغها عمري ، وأحرق أحشائي بالنار بعد أن صبرت على
فقرى ، وأستوجب غضب الجبار، وأنا قريب من قبرى ، لا والله لا أفعل .
قال ابن جرير الطبري : فانصرفت وأنا في عجب من أمره هو وزوجته ، فلما
أصبحنا في ساعة من ساعات من النهار، سمعت صاحب الدنانير ينادى ...
يقول : يا أهل مكة ، يا معاشر الحجاج ، يا وفد الله من الحاضر والبادي ، من وجد كيسا فيه ألف دينار،
فليرده إلى وله الأجر والثواب عند الله .
فقام إليه الشيخ الكبير ، وقال : يا خرساني قد قلت لك بالأمس ونصحتك ،
وبلدنا والله قليلة الزرع والضرع ، فجد على من وجد المال بشئ حتى لا يخالف الشرع ، وقد قلت لك أن تدفع
لمن وجده مائة دينار فأبيت ، فإن وقع مالك في يد رجل يخاف الله عز وجل ، فهلا أعطيتهم عشرة دنانير فقط
بدلا من مائة ، يكون لهم فها ستر وصيانة ، وكفاف وأمانة .
فقال له الخرساني : لا أفعل ، وأحتسب مالي عند الله ، وأشكوه إليه يوم نلقاه ،
وهو حسبنا ونعم الوكيل .
قال ابن جرير الطبري:ثم افترق الناس وذهبوا ، فلما أصبحنا في ساعة
من ساعات من النهار ، سمعت صاحب الدنانير ينادي ذلك النداء بعينه ويقول : يا معاشر الحجاج ، يا وفد الله
من الحاضر والبادي ، من وجد كيسا فيه ألف دينار فرده على له الأجر والثواب عند الله .
فقام إليه الشيخ الكبير فقال له : يا خرساني ، قلت لك أول أمس امنح من وجده مائة دينار فأبيت ، ثم عشرة
فأبيت ، فهلا منحت من وجده دينارا واحدا ، يشتري بنصفه إربة يطلبها ، وبالنصف الأخر شاة يحلبها ، فيسقى
الناس ويكتسب ، ويطعم أولاده ويحتسب .
قال الخرسانى : لا أفعل ولكن أحيله على الله وأشكوه لربه يوم نلقاه ، وحسبنا الله ونعم الوكيل .
فجذبه الشيخ الكبير ، وقال له : تعال يا هذا وخذ دنانيرك ودعني أنام الليل ، فلم يهنأ لي بال منذ أن وجدت
هذا المال .
يقول ابن جرير : فذهب مع صاحب الدنانير ، وتبعتهما ، حتى دخل الشيخ منزله ، فنبش الأرض وأخرج
الدنانير وقال : خذ مالك ، وأسأل الله أن يعفوي عنى ، ويرزقني من فضله .
فأخذها الخرسانى وأراد الخروج ، فلما بلغ باب الدار ، قال : يا شيخ مات أبي رحمه الله وترك لى ثلاثة آلاف
دينار ، وقال لي : أخرج ثلثها ففرقه على أحق الناس عندك ، فربطتها في هذا الكيس حتى أنفقه على من
يستحق ، والله ما رأيت منذ خرجت من خرسان إلى ههنا رجلا أولى بها منك ، فخذه بارك الله لك فيه ، وجزاك
خيرا على أمانتك ، وصبرك على فقرك ، ثم ذهب وترك المال .
فقام الشيخ الكبير يبكى ويدعو الله ويقول : رحم الله صاحب المال في قبره ، وبارك الله في ولده .
قال ابن جرير : فوليت خلف الخراساني فلحقني أبو غياث وردني ، فقال لي إجلس فقد رأيتك تتبعني في أول
يوم وعرفت خبرنا بالأمس واليوم ، سمعت أحمد بن يونس اليربوعي يقول : سمعت مالكا يقول : سمعت نافعا
يقول : عن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لعمر وعلي رضي الله عنهما ، إذا أتاكما الله
بهدية بلا مسألة ولا استشراف نفس ، فاقبلاها ولا ترداها ، فترداها على الله عز وجل ، وهذه هدية من الله
والهدية لمن حضر .
ثم قال : يا لبابة ، يا فلانة ، يا فلانة ، وصاح ببناته والأختين وزوجته وأمها ، وقعد وأقعدني ، فصرنا عشرة ،
فحل الكيس وقال : أبسطوا حجوركم فبسطت حجري ، وما كان لهن قميص له حجر يبسطونه ، فمدوا أيديهم ،
وأقبل يعد دينارا دينارا ، حتى إذا بلغ العاشر إلي ، قال : ولك دينار ، حتى فرغ من الكيس ، وكان فيه ألف
دينار ، فأعطانى مائة دينار .
يقول ابن جرير الطبرى : فدخل قلبي من سرور غناهم أشد من فرحى بالمائة دينار ، فلما أردت الخروج قال
لي : يا فتى إنك لمبارك ، وما رأيت هذا المال قط ولا أملته ، وإني لأنصحك أنه حلال فاحتفظ به ، واعلم أني
كنت أقوم فأصلي الفجر في هذا القميص البالى ، ثم أخلعه حتى تصلى بناتي واحدة واحدة ، ثم أخرج للعمل
إلى ما بين الظهر والعصر ، ثم أعود في آخر النهار بما فتح الله عز وجل على من تمر وكسيرات خبز ، ثم
أخلع ثيابى لبناتى فيصلين فيه الظهر والعصر ، وهكذا فى المغرب والعشاء الآخرة ، وما كنا نتصور أن نرى
هذه الدنانير ، فنفعهن الله بما أخذن ، ونفعني وإياك بما أخذنا ، ورحم صاحب المال في قبره ، وأضعف الثواب
لولد ، وشكر الله له .
قال ابن جرير : فودعته ، وأخذت مائة دينار ، كتبت العلم بها سنتين ، أتقوت بها وأشتري منها الورق وأسافر
وأعطي الأجرة ، وبعد ستة عشر عاما ذهبت إلى مكة ، وسألت عن الشيخ ، فقيل إنه مات بعد ذلك بشهور ،
وماتت زوجته وأمها والأختان ، ولم يبق إلا البنات ، فسألت عنهن فوجدتهن قد تزوجن بملوك وأمراء ، وذلك
لما انتشر خبر صلاح والدهن فى الآفاق ، فكنت أنزل على أزواجهن ، فيأنسون بي ويكرموني حتى توفاهن الله
، فبارك الله لهم فيما صاروا إليه .
يقول تعالى:{ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ومن يتق الله يجعل له
مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه
(الطلاق: 2/3)
| |
|